منتديات أمل عمري

منتديات أمل عمري (http://www.a-3amry.com/vb/index.php)
-   القرآن والتفسير والإعجاز القراني (http://www.a-3amry.com/vb/forumdisplay.php?f=137)
-   -   تفسير قوله تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} (http://www.a-3amry.com/vb/showthread.php?t=14264)

قيثارة 06-25-2020 03:51 PM

تفسير قوله تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ}
 
وقفة مع قوله تعالى

(وأنذرهم يوم الحسرة)


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
وبعد:




فنقف وقفةً يسيرةً مع آيةٍ عظيمةٍ من كتاب الله؛ قوله تعالى: ﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [مريم: 39].



يأمر الله تعالى نبيَّه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - أن يُنْذِرَ الناسَ يومَ الحسرة والندامة، وهو يوم القيامة؛ حيث تَشْتَدُّ فيه الحسرة، وتَعْظُم فيه الندامة، وأي حسرةٍ أعظم من فَوات رضا الله وجنَّته، واستحقاق سَخَطِه، والخلود في نارِه، على وجهٍ لا يَتمكَّن فيه أحدٌ من الرُّجوع إلى الدنيا ليستأنِف العمل؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ [الزمر: 15].



قال ابن عباس: "يوم الحسرة: اسمٌ من أسماء يوم القيامة، عظَّمه الله، وحذَّر منه عبادَة".



وقال عبدالرحمن بن زيد بن أَسْلَم في قوله: ﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ ﴾، قال: يوم القيامة، وقرأ: ﴿ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [الزمر: 56].



وقوله: ﴿ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ ﴾؛ أي: فُرِغَ من الحساب، وصار أهل الجنَّة في الجنَّة، وأهل النَّار في النَّار.



وقوله: ﴿ وُهْم فِي غَفْلَةٍ ﴾؛ أي: في الدنيا، بشهواتهم وملذَّاتهم، عن العمل ليوم الحسرة.

وقوله: {﴿ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ﴾؛ أي: لا يُصدِّقون بالبَعْث بعد الموت، وما فيه من نعيمٍ مقيمٍ لمَنْ أطاع الله، ومن عذابٍ أليمٍ لمَنْ عصى الله.



عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيّ - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يُجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبشٌ أَمْلَحُ - زاد أبو كُرَيْب: فيُوقَفُ بين الجنَّة والنَّار - فيُقال: يا أهل الجنَّة، هل تعرفون هذا؟ فيَشْرَئِبُّون وينظرون ويقولون: نعم، هذا الموتُ))، قال: ((ويُقال: يا أهل النَّار، هل تعرفون هذا؟ قال: فيَشْرَئِبُّون وينظرون ويقولون: نعم، هذا الموت))، قال: ((فيُؤمَر به فيُذبَح))، قال: ((ثم يُقال: يا أهل الجنة، خلودٌ فلا موت، ويا أهل النَّار، خلودٌ فلا موت))، قال: ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((﴿ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [مريم: 39]))، وأشار بيده إلى الدنيا[1].



زاد مسلمٌ من رواية ابن عمر: ((فيزداد أهل الجنة فرحًا إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزنًا إلى حزنهم))[2].



وفي رواية الترمذي: ((فلو أنَّ أحدًا مات فرحًا، لمات أهل الجنَّة، ولو أن أحدًا مات حزنًا، لمات أهل النَّار))[3].



ومن فوائد الآية الكريمة:



أولاً: أنه في يوم الحسرة والندامة يندم الكافر على كفره، والظالم على ظلمه، والمقصِّر في طاعة ربِّه على تقصيره، ولكن لا ينفع الندم؛ قال تعالى: ﴿ يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾ [غافر: 52].



وقال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 27-29].

وقال سبحانه: ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [الأنعام: 31].



وقال سبحانه: ﴿ إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا ﴾ [النبأ: 40].



ثانيًا: أنه ينبغي للمؤمن ألاَّ يكون في غفلة؛ بل على استعداد للقاء ربِّه؛ قال سبحانه: ﴿ مَن كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [العنكبوت: 5]، وقال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18].



ثالثًا: أنه في يوم الحسرة يرى الكافِرُ أنَّه لم يَلْبَثْ في دُنياه إلا قليلاً؛ قال تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ ﴾ [يونس: 45]، وقال تعالى: ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾ [النازعات: 46].



رابعًا: إنَّ من أعظم ما يتحسَّر عليه أهل النار: أن الواحد منهم يتمنَّى أنه يفدي نفسه من عذاب الله بماله وولده والناس أجمعين؛ بل ومُلْك الدنيا بأَسْرها، مع أنه طلب منه أهون من ذلك فلم يفعل؛ قال تعالى: ﴿ يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ * وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ ﴾ [المعارج: 11-14]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ﴾ [آل عمران: 91].



وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يقول الله - تبارك وتعالى - لأَهْوَنِ أهل النار عذابًا: لو كانت لك الدنيا وما فيها، أَكُنْتَ مُفْتَدِيًا بها؟ فيقول: نعم، فيقول: قد أردتُ منكَ أَهْوَنَ من هذا وأنت في صلب آدم: ألاَّ تُشْرِكَ - أحسبه قال - ولا أُدخِلُكَ النَّار، فأَبَيْتَ إلا الشِّرْكَ))[4].



خامسًا: أنه ينبغي للمؤمن أن يحافظ على إسلامه وإيمانه حتى الممات؛ قال تعالى: {يَ﴿ ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].



وعن عائشة - رضي الله عنها -: "أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يُكْثِرُ يقول: ((يا مُقَلِّبَ القلوب، ثَبِّتْ قلبي على دينكَ وطاعتكَ))[5].



وعن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم مُصَرِّفَ القلوب، صَرِّفْ قلوبنا على طاعتكَ))[6].
والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


[1] صحيح البخاري (3/258) برقم (4730)، وصحيح مسلم (4/2188) برقم (2849).
[2] صحيح مسلم (4/2189) برقم (2849).
[3] سنن الترمذي (4/693) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
[4] صحيح البخاري (4/201) برقم (6557)، وصحيح مسلم (4/2160) برقم (2805).
[5] مسند الإمام أحمد (6/251).
[6] صحيح مسلم (4/2045) برقم (2654).




نبراس 06-25-2020 11:47 PM

جزاك الله خير

عبدالعزيز الفوزان 06-26-2020 12:27 AM

جزاك الله خير

غنج 06-26-2020 02:25 AM

جزاك الله خير

مهابه 06-26-2020 07:07 AM

جزاك الله كل الخير ونفع بك

قيثارة 06-26-2020 08:30 AM

نبراس
اثقل الله موازينك وادخلك الجنه :81:

قيثارة 06-26-2020 08:30 AM

الفوزان
اثقل الله موازينك وادخلك الجنه :81:

قيثارة 06-26-2020 08:30 AM

غنج
اثقل الله موازينك وادخلك الجنه :81:

قيثارة 06-26-2020 08:31 AM

مهابه
اثقل الله موازينك وادخلك الجنه :81:

عبد العزيز البداح 06-26-2020 02:13 PM

جزاك الله خير


الساعة الآن 06:50 PM

Powered by vBulletin® Version 3.8.8
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.