في هذه اللحظة ،هذه اللحظة نفسها ،حاول أن تغمض عينيك
وتنسى مشاكلك الصغيرة وتتصور ما يدور في أماكن أخرى من العالم .
تصور الأطفال الذين يولدون في هذه اللحظة ،
هذه المخلوقات الضعيفة الصغيرة التي تستقبل الدنيا بصرخة احتجاج وغيمة من الدموع .
تصور فخر الاباء ونشوة الأمهات .
تصور كل هذه الاحتفالات بمعجزة الولادة تتم عبر البسيطة .
وستجد أنك ، رغما عن نفسك ومشاكلها الصغيرة ، بدأت في الابتسامه .
ثم تصور أولئك الذين يودعون الدنيا هذه اللحظة . تصور تلك المواكب من الحصرات والشجن والآهات .
تلك القوافل التي تذهب ولا تعود .
وتصور ماتخلفه القوافل وراءها : حرقة الثكالى وذل اليتامى ولوعة الأحباب .
تصور هذا وستجد أنك ، رغم عن نفسك ومشاكلها الصغيرة ، بدأت تشعر بشيء من الكآبة .
وتصور بعد هذه الاعراس التي تتم على ظهر البسيطة في هذه اللحظة . أنظر !!
هنا فتى وفتاة قررا أن يجابها الحياة معا . قررا أن يلتزما بفكرة عجيبة قديمة جديدة غامضة اسمها الحب .
قررا ان يعبرا الحياة على زورق واحد .
تصور هذا المشهد البديع . مشهد أصرار الانسان على البقاء يتكرر في زوبعة من الالحان والألوان . تصور عروسين شابين في السعودية . وعروسين شابين في مصر . وعروسين شابين في الاردن . وعروسين شابين في قرية لا تعرف أسمها .تصور نفسك ضيف الشرف في كل هذه الاعراس .
تصور ذلك وستجد أنك رغما عن نفسك ومشاكلها الصغيرة ، بدأت تشعر بالفخر لانتمائك إلى الجنس البشري .
ثم تصور ما يتم هذه اللحظة من مواقف وداع أليمة بعد أن أنهارت علاقة من العلاقات . تصور حالات الطلاق التي تتم هذه اللحظة . تصور المنازعات في كل محكمة من محاكم العالم حيث يقاضي الأخ أخاه ، والأبن أباه . تصور حالة كل طفل صغير يهرب من منزله هذه اللحظة احتجاجا على معاملة أبويه .
تصور ذلك وستجد أنك ، رغما عن نفسك ومشاكلها الصغيرة ، بدأت تشعر بشيء من الخجل لأنتمائك إلى الجنس البشري .
أنت في هذه اللحظة مشغول بشيء ما .قد تكون غاضبا على رئيسك .. أو مستاء من زوجتك .. أو تعاني من الصداع ..
أو تفكر في القسط الذي سيحل غدا .. أو الاجازة المقبلة .. أو الصفقة الضخمة .. أو الارض التي تنوي بيعها .

ولكن تمرد على نفسك لحظة واحدة فقط !!!
اذهب بخيالك إلى أقرب مستشفى .
اذهب إلى غرفة بعيدة يموت فيها شيخ كبير وقف خاشعا أمام مشهد الموت .
ثم أذهب إلى غرفة أخرى يولد فيها طفل صغير وقف خاشعا أما مشهد الحياة .

في تلك اللحظة الخاطفة ....

ستدرك أن همومك كلها أصغر بكثير مما تظن .
في تلك اللحظة الخاطفة ....
ستدرك أن أخطر سجن وجد أو سيوجد هو سجن الذات .
في تلك اللحظة الخاطفة ....
ستشعر بتلك الرابطة الخفية التي تشدك إلى كل أنسان في كل مكان .
ثم تمر اللحظة الخاطفة .
وتعود جزيرة مستقلة ذات سيادة لها حدودها وأسوارها وأسلاكها الشائكة .. ومشاكلها الصغيرة ..

دمتم بطيب المحبه ..