تابع – سورة البقرة
(ذلك الكتاب لا ريب فيه). .
ومن أين يكون ريب أو شك ; ودلالة الصدق واليقين كامنة في هذا المطلع , ظاهرة في عجزهم عن صياغة مثله , من مثل هذه الأحرف المتداولة بينهم , المعروفة لهم من لغتهم ?
(ذلك الكتاب لا ريب فيه . . هدى للمتقين). .
الهدى حقيقته , والهدى طبيعته , والهدى كيانه , والهدى ماهيته . . ولكن لمن ? لمن يكون ذلك الكتاب هدى ونورا ودليلا ناصحا مبينا ? . . للمتقين . . فالتقوى في القلب هي التي تؤهله للانتفاع بهذا الكتاب . هي التي تفتح مغاليق القلب له فيدخل ويؤدي دوره هناك . هي التي تهيء لهذا القلب أن يلتقط وأن يتلقى وأن يستجيب .
لا بد لمن يريد أن يجد الهدى في القرآن أن يجيء إليه بقلب سليم . بقلب خالص . ثم أن يجيء إليه بقلب يخشى ويتوقى , ويحذر أن يكون على ضلالة , أو أن تستهويه ضلالة . . وعندئذ يتفتح القرآن عن أسراره وأنواره , ويسكبها في هذا القلب الذي جاء إليه متقيا , خائفا , حساسا , مهيأ للتلقي . . ورد أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سأل أبي بن كعب عن التقوى فقال له:أما سلكت طريقا ذا شوك ? قال بلى ! قال:فما عملت ? قال:شمرت واجتهدت . قال:فذلك التقوى . .
فذلك التقوى . . حساسية في الضمير , وشفافية في الشعور , وخشية مستمرة , وحذر دائم , وتوق لأشواك الطريق . . طريق الحياة . . الذي تتجاذبه أشواك الرغائب والشهوات , وأشواك المطامع والمطامح , وأشواك المخاوف والهواجس , وأشواك الرجاء الكاذب فيمن لا يملك إجابة رجاء , والخوف الكاذب ممن لا يملك نفعا ولا ضرا . وعشرات غيرها من الأشواك !
( يتبع )
|