تابع – سورة البقرة
لقد كان الإيمان بالغيب هو مفرق الطريق في ارتقاء الإنسان عن عالم البهيمة . ولكن جماعة الماديين في هذا الزمان , كجماعة الماديين في كل زمان , يريدون أن يعودوا بالإنسان القهقري . . إلى عالم البهيمة الذي لا وجود فيه لغير المحسوس ! ويسمون هذا "تقدمية " وهو النكسة التي وقى الله المؤمنين إياها , فجعل صفتهم المميزة , صفة: (الذين يؤمنون بالغيب)والحمد لله على نعمائه , والنكسة للمنتكسين والمرتكسين !
(ويقيمون الصلاة). . فيتجهون بالعبادة لله وحده , ويرتفعون بهذا عن عبادة العباد , وعبادة الأشياء . يتجهون إلى القوة المطلقة بغير حدود ويحنون جباههم لله لا للعبيد ; والقلب الذي يسجد لله حقا , ويتصل به على مدار الليل والنهار , يستشعر أنه موصول السبب بواجب الوجود , ويجد لحياته غاية أعلى من أن تستغرق في الأرض وحاجات الأرض , ويحس أنه أقوى من المخاليق لأنه موصول بخالق المخاليق . . وهذا كله مصدر قوة للضمير , كما أنه مصدر تحرج وتقوى , وعامل هام من عوامل تربية الشخصية , وجعلها ربانية التصور , ربانية الشعور , ربانية السلوك .
(ومما رزقناهم ينفقون). . فهم يعترفون ابتداء بأن المال الذي في أيديهم هو من رزق الله لهم , لا من خلق أنفسهم ; ومن هذا الاعتراف بنعمة الرزق ينبثق البر بضعاف الخلق , والتضامن بين عيال الخالق , والشعور بالآصرة الإنسانية , وبالأخوة البشرية . . وقيمة هذا كله تتجلى في تطهير النفس من الشح , وتزكيتها بالبر . وقيمتها أنها ترد الحياة مجال تعاون لا معترك تطاحن , وأنها تؤمن العاجز والضعيف والقاصر , وتشعرهم أنهم يعيشون بين قلوب ووجوه ونفوس , لا بين أظفار ومخالب ونيوب !
والإنفاق يشمل الزكاة والصدقة , وسائر ما ينفق في وجوه البر . وقد شرع الإنفاق قبل أن تشرع الزكاة , لأنه الأصل الشامل الذي تخصصه نصوص الزكاة ولا تستوعبه . وقد ورد في حديث رسول الله "" صلى الله عليه وسلم "" بإسناده لفاطمة بنت قيس " إن في المال حقا سوى الزكاة " . . وتقرير المبدأ على شموله هو المقصود في هذا النص السابق على فريضة الزكاة
( يتبع )
|