تابع – سورة البقرة
ويفصل السياق صفة الفاسقين هؤلاء , كما فصل في أول السورة صفة المتقين ; فالمجال ما يزال - في السورة - هو مجال الحديث عن تلك الطوائف , التي تتمثل فيها البشرية في شتى العصور:
(الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه , ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل , ويفسدون في الأرض . أولئك هم الخاسرون). .
فأي عهد من عهود الله هو الذي ينقضون ? وأي أمر مما أمر الله به أن يوصل هو الذي يقطعون ? وأي لون من الفساد في الأرض هو الذي يفسدون ?
لقد جاء السياق هنا بهذا الإجمال لأن المجال مجال تشخيص طبيعة , وتصوير نماذج , لا مجال تسجيل حادثة , أو تفصيل واقعة . . إن الصورة هنا هي المطلوبة في عمومها . فكل عهد بين الله وبين هذا النموذج من الخلق فهو منقوض ; وكل ما أمر الله به أن يوصل فهو بينهم مقطوع ; وكل فساد في الأرض فهو منهم مصنوع . . إن صلة هذا النمط من البشر بالله مقطوعة , وإن فطرتهم المنحرفة لا تستقيم على عهد ولا تستمسك بعروة ولا تتورع عن فساد . إنهم كالثمرة الفجة التي انفصلت من شجرة الحياة , فتعفنت وفسدت ونبذتها الحياة . . ومن ثم يكون ضلالهم بالمثل الذي يهدي المؤمنين ; وتجيء غوايتهم بالسبب الذي يهتدي به المتقون .
وننظر في الآثار الهدامة لهذا النمط من البشر الذي كانت الدعوة تواجهه في المدينة في صورة اليهود والمنافقين والمشركين ; والذي ظلت تواجهه وما تزال تواجهه اليوم في الأرض مع اختلاف سطحي في الأسماء والعنوانات !
( يتبع )
|