عرض مشاركة واحدة
قديم 07-02-2017, 09:19 AM   #300
عمدة الحاره


الصورة الرمزية النجم البعيد
النجم البعيد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 398
 تاريخ التسجيل :  Jun 2017
 أخر زيارة : 12-24-2017 (08:18 PM)
 المشاركات : 744 [ + ]
 التقييم :  10
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Steelblue
افتراضي



تابع – سورة الحجرات

موضوعات السورة :

الثالث : التثبت في الأخبار :

قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }الحجرات6 وفي قراءة أخرى : ( فتثبتوا ) وهما قراءتان متواترتان ، والتثبت ينصب على السند ، أما التبين فهو حول معنى الخبر ومتنه وملابساته .
إن التثبت منهج شرعي في سماع الأخبار وتمحيصها ونقلها وإذاعتها ، بل هو أصل كبير نافع ، أمَر الله به رسوله ، كما في الآية ، وأخبر بالأضرار المترتبة على عدم التثبت {أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ }الحجرات6 وأنّ من تثبت لم يندم ... إن الذي يعلم كيف يتحقق وكيف يسمع وكيف ينقل وكيف يعمل هو الحازم المصيب ، ومن كان غير ذلك فهو الأحمق الطائش الذي مآله الندامة .
وعند ورود الخبر ، فإنّ المنهج الشرعي تجاه ذلك يكون بما يلي :
1- عدالة الراوي ، وذلك بسلامته من الفسق وخوارم المروءة .
2- ضبط الراوي وإتقانه وقوة حفظه ، وإنّ كثيراً ممن يروون الأخبار ويتلقونها ، يغفلون عن هذه القضية ، أو يتساهلون بها ؛ قال مالك : ( إن هذا العلم دين ، فانظروا عمَّن تأخذونه ، لقد أدركت سبعين ممن يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذه الأساطين ، وأشار إلى المسجد ، فما أخذتُ عنهم شيئاً ، وإنّ أحدهم لو ائتُمن على بيت مالٍ لكان أميناً ، إلاّ أنهم لم يكونوا من أهل هذا الشأن )
3- حسن الفهم ودقة الاستيعاب للمراد :
وكم من ورع حافظ ، لكنه لا يفقه ما يروي وما يحفظ ، وإلاّ فالطفل يحفظ حفظاً عجيباً ، قد يعجز عنه بعض الكبار ، ومع ذلك لا يُدرك ما يحفظ ولا يفهم ما يروي .
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : « نضّر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها ، وبلغها من لم يسمعها ، فرُبّ حامل فقه لا فقه له ، ورُبّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه »
4- مراعاة اتصال السند .
5- مقارنة الخبر ، وعرض متنه ومدلوله على السنن الإلهية والأحوال الجارية .
قال ابن خلدون : « وكثيراً ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل ، غثّاً أو سميناً ، ولم يعرضوها على أصولها ، ولا قاسوها بأشباهها ، ولا سبروها بمعيار الحكمة ... »
6- وجوب مقارنة الخبر بسيرة من نُسب إليه ابتداء ، بمعنى أنه يثبت الخبر ثبوتاً قاطعاً ، وهو لا يليق بسيرة هذا الرجل وما عُرِف عنه ، فنبحث له عن مخرج ونحمله على المحمل الحسن دون مجاملة أو مداهنة في الحق ، ولو تمحصنا بعض الأخبار التي يتعجّل بعض الناس في تصديقها وروايتها لاكتشفنا الحقيقة ، بأن هذا الخبر مكذوب ، أو قد يكون صحيحاً ولكن جاء على غير وجهه ، وقد يكون لصاحبه عذر وأنت لا تعلم ؛ قال السبكي : ( فإذا كان الرجل ثقة مشهوداً له بالإيمان والاستقامة ، فلا ينبغي أن يُحمَل كلامُه وألفاظُ كتاباتهِ على غير ما تُعوّد منه ومن أمثاله ، بل ينبغي التأويل الصالح وحسن الظن الواجب به وبأمثاله )
وقال ابن تيمية لما بلغه كلام عن سهل التستري ، مما فيه مخالفة شرعية : ( وهذه الحكاية ، إما كذب على سهل وهذا الذي نختار أن يكون حقاً ، أو تكون غلطاً منه فلا حول ولا قوة إلا بالله )
ونُنبّه إلى أن الأخبار تتفاوت ، فمنها ما يجب أن نُطبِّقه فيه ما نقدر عليه من شروط التوثيق ، ونسلك جميع السبل الممكنة للتبين والتثبت ، وأخرى دون ذلك حسب مدلولها وأثرها ، وتخصّص راويها أو المروية عنه ، فلكل خبرٍ رواتُه ، ولكل حدث فاعلوه ، ولكل جهد مصادرُها ومخبرُها ، ويجب أن تقدر كل حالة بقدرها ، فلا إفراط ولا تفريط .

( يتبع )