تابع – سورة الجمعة
محور مواضيع السورة :
جاء في الصحيحين عن ابن عمر - رضي اللّه عنهما - قال : قال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - : «إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل» ..
وروى أصحاب السنة الأربعة من حديث أوس بن أوس الثقفي قال : سمعت رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - يقول : من غسل واغتسل يوم الجمعة ، وبكر وابتكر ، ومشى ولم يركب ، ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ ، كان له بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها» ..
وروى الإمام أحمد من حديث كعب بن مالك عن أبي أيوب الأنصاري قال : سمعت رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - يقول : «من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب أهله إن كان عنده ، ولبس من أحسن ثيابه ، ثم خرج يأتي المسجد ، فيركع إن بدا له ، ولم يؤذ أحدا ، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي ، كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى» ..
والآية الأولى في هذا المقطع تأمر المسلمين أن يتركوا البيع - وسائر نشاط المعاش - بمجرد سماعهم للأذان :
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ» ..
وترغبهم في هذا الانخلاع من شؤون المعاش والدخول في الذكر في هذا الوقت :
«ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» ..
مما يوحي بأن الانخلاع من شؤون التجارة والمعاش كان يقتضي هذا الترغيب والتحبيب. وهو في الوقت ذاته تعليم دائم للنفوس فلا بد من فترات ينخلع فيها القلب من شواغل المعاش وجواذب الأرض ، ليخلو إلى ربه ، ويتجرد لذكره ، ويتذوق هذا الطعم الخاص للتجرد والاتصال بالملأ الأعلى ، ويملأ قلبه وصدره من ذلك الهواء النقي الخالص العطر ويستروح شذاه! ثم يعود إلى مشاغل العيش مع ذكر اللّه :
«فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ ، وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ، وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» ..
وهذا هو التوازن الذي يتسم به المنهج الإسلامي. التوازن بين مقتضيات الحياة في الأرض ، من عمل وكد ونشاط وكسب. وبين عزلة الروح فترة عن هذا الجو وانقطاع القلب وتجرده للذكر. وهي ضرورة لحياة القلب لا يصلح بدونها للاتصال والتلقي والنهوض بتكاليف الأمانة الكبرى. وذكر اللّه لا بد منه في أثناء ابتغاء المعاش ، والشعور باللّه فيه هو الذي يحول نشاط المعاش إلى عبادة. ولكنه - مع هذا - لا بد من فترة للذكر الخالص ، والانقطاع الكامل ، والتجرد الممحض. كما توحي هاتان الآيتان.
( يتبع )
|