تابع – سورة التحريم
محور مواضيع السورة :
ثم يجعل اللّه حياته الخاصة والعامة كتابا مفتوحا لأمته وللبشرية كلها ، تقرأ فيه صور هذه العقيدة ، وترى فيه تطبيقاتها الواقعية. ومن ثم لا يجعل فيها سرا مخبوءا ، ولا سترا مطويا. بل يعرض جوانب كثيرة منها في القرآن ، ويكشف منها ما يطوى عادة عن الناس في حياة الإنسان العادي. حتى مواضع الضعف البشري الذي لا حيلة فيه لبشر. بل إن الإنسان ليكاد يلمح القصد في كشف هذه المواضع في حياة الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - للناس! إنه ليس له في نفسه شيء خاص. فهو لهذه الدعوة كله. فعلام يختبئ جانب من حياته - صلى اللّه عليه وسلم - أو يخبأ؟ إن حياته هي المشهد المنظور القريب الممكن التطبيق من هذه العقيدة وقد جاء - صلى اللّه عليه وسلم - ليعرضها للناس في شخصه ، وفي حياته ، كما يعرضها بلسانه وتوجيهه. ولهذا خلق. ولهذا جاء.
ولقد حفظ عنه أصحابه - صلى اللّه عليه وسلم - ونقلوا للناس بعدهم - جزاهم اللّه خيرا - أدق تفصيلات هذه الحياة. فلم تبق صغيرة ولا كبيرة حتى في حياته اليومية العادية ، لم تسجل ولم تنقل .. وكان هذا طرفا من قدر اللّه في تسجيل حياة هذا الرسول ، أو تسجيل دقائق هذه العقيدة مطبقة في حياة الرسول. فكان هذا إلى جانب ما سجله القرآن الكريم من هذه الحياة السجل الباقي للبشرية إلى نهاية الحياة.
وهذه السورة تعرض في صدرها صفحة من الحياة البيتية لرسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وصورة من الانفعالات والاستجابات الإنسانية بين بعض نسائه وبعض ، وبينهن وبينه! وانعكاس هذه الانفعالات والاستجابات في حياته - صلى اللّه عليه وسلم - وفي حياة الجماعة المسلمة كذلك .. ثم في التوجيهات العامة للأمة على ضوء ما وقع في بيوت رسول اللّه وبين أزواجه.
والوقت الذي وقعت فيه الأحداث التي تشير إليها السورة ليس محددا. ولكن بالرجوع إلى الروايات التي جاءت عنه يتأكد أنه بعد زواج رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - من زينب بنت جحش قطعا.
ولعله يحسن أن نذكر هنا ملخصا عن قصة أزواج النبي ، وعن حياته البيتية يعين على تصور الحوادث والنصوص التي جاءت بصددها في هذه السورة. ونعتمد في هذا الملخص على ما أثبته الإمام ابن حزم في كتابه : «جوامع السيرة» .. وعلى السيرة لابن هشام مع بعض التعليقات السريعة :
أول أزواجه - صلى اللّه عليه وسلم - خديجة بنت خويلد. تزوجها رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وهو ابن خمس وعشرين سنة وقيل ثلاث وعشرون ، وسنها - رضي اللّه عنها - أربعون أو فوق الأربعين ، وماتت - رضي اللّه عنها - قبل الهجرة بثلاث سنوات ، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت. وقد تجاوزت سنه الخمسين.
فلما ماتت خديجة تزوج عليه السلام سودة بنت زمعة - رضي اللّه عنها - ولم يرو أنها ذات جمال ولا شباب.
إنما كانت أرملة للسكران بن عمرو بن عبد شمس. كان زوجها من السابقين إلى الإسلام من مهاجري الحبشة.
فلما توفي عنها ، تزوجها رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم.
( يتبع )
|