شكرًا لك فاضلتنا جندلة,
نقرأ كثيراً خواطر في مكان قصة قصيرة جداً, والخاطرة ليس لها عناصر تقوم عليها سوى السرد لكن ق. ق. ج. هي نوع أدبي جميل لا يتمكن منه الاّ القليل فمكوناتها معروفة والذين يقرؤون منها الكثير يعرفونَ ذلك :
اختزال الحدث بجمل مختصرة, ومكان الحدث وزمانه وفكرته وحوار الشخصيات فيه تجعل القارئ يذهب بمخيلته لتوقعات عدة حتى تأتي دهشة الخاتمة,
**
مثال ل ق. ق. ج.:
الدكتورة وفاء خنكار من مكة المكرمة,
منقول من المجموعة الدولية:
عطش :
صيف.. قيظ .. جفاف ..
سحابة عابرة تهطل بالحديقة ..
هرولت تبلل روحها العطشى ..
تركت المكواة تحرق ثوبه ..
***
إذاما قرأنا النّص بعيداً عن عمق الدّلالة ، و غاية القصد .. سيكون نصاً عادياً، و لربّما يعبر عن موقف امرأة طائشة، تركت المكواة على ثوب زوجها،و خرجت تستقبل المطر في الحديقة. و لكن النّص غير ذلك ، فهو على قصره، حمّال دلالة قصوى، تُمعن في العمق، و تغوص مع الجذور ..لأنّها نفسية. و الحالات التي تكون كذلك ، يصعب التّعبير عنها بالأسلوب العادي،أو الكتابة التّقريرية الإخبارية.بل أفضل الأساليب و أنجعها الأسلوب الرمزي، أو لغة الرمز، و المجاز metaphor .
يبدأ النّص : بوصف الحالة بكلمات، لا بتعابير و جمل : ( صيف .. قيظ .. جفاف ) و الحالة هنا لا علاقة لها بالمناخ ، و ظروف الجو، و حالات الطقس ...إنّما هو صيف و قيظ و جفاف الروح .. التي تعاني الحرمان ، و نقص المبتغى ، و العيش الصّعب ... و التي تقضي العمر ترقب بارقة أمل تنعشها، أو ومضة حظ تسعفها .. و تأتي السحابة/ الرمز، كالمنقذ غير المنتظر، و المخلص من جفاف عمّ و انتشر . سحابة تهطل بحديقة العمــــر . فكيف لا تهرول إليها ؟ كيف لا تبلل روحها العطشى ؟ كيف لا تستغل سحابة صيف قائظ جاف .. و إن كان نادراً ما تكون سحب الصّيف ممطرة؟
اختلط في النّص ما هو داخلي يخصّ الروح التي تعاني العطش،و ما هو خارجي تصويراً و تعبيراً بلغة المجاز. و تأتي دهشة القفلة؛ تركت المكواة تحرق ثوبه ) قفلة رمزية ، تشير إلى الآخر، سبب المعاناة ، و عدم الاعتراف بالجميل، و نضوب الحب ، و علامة الشقاء .. لقد تركت بحثاً عن الارتواء، ثيابه تحترق بحرارة المكواة.. كما حرق نضارة شبابها ، و جفّف معين صباها ، و جعلها صيفَ قيظٍ و جفاف .
فنيــــاً :
1 ـ توظيف الجمل القصيرة جداً : سحابة عابرة ـ تهطل بالحديقة ـ هرولت ـ تبلل روحها العطشى ـ تركت المكواة ـ تحرق ثوبه ـ
بل استعاضت عن الجمل بكلمات: صيف .. قيظ .. جفاف .
2 ـ المجـازالإستعاري : .. تبلل روحها العطشى .
3 ـ القفلة الرمزية : تركت المكواة تحرق ثوبه .
4 ـ النّص جاء منفتحاً على قراءات متعددة، بسبب تكثيفه و رمزيته .
***
|